Egyptian Traditions | الغربال ودق الهون والبخور لحظة المولود في مصر

الغربال ودق الهون
الغربال ودق الهون

“اسمعِ كلام أمك ما تسمعيش كلام أبوكِ، أسمعِ كلام ستك أم أمك متسمعيش كلام ستك أم أبوكِ” كلمات مألوفة ترددت على مسامعنا مئات المرات في بيوتنا.

فكلنا عاصرنا هذا المشهد كثيراً في طفولتنا، والذي يبدأ دوماً عند الجدة “باعتبارها أكبر الحاضرين سناً” وهي تمسك بكلتا يديها “الغربال” حاملة به الطفل الذي مر على مولده سبع أيام ثم تبدأ بهزه يمينا ويساراً برفق بينما على الجهة الاخرى تدق احداهن أيدي “الهون” مصدرة تلك الاصوات الرنانة المحببة لأذاننا.

لتردد حينها الجدة بعض النصائح والوصايا للحفيد ليكون مطيعاً لوالديه. السبوع عادة قديمة توارثناها منذ قرون طويلة تغير الكثير ومازالت هي ثابتة ليومنا هذا، الكل يعلم طقوسه جيداً ولا املك المزيد لاشاركه كما أن هذا ليس موضوعي لاسترسل فيه أكثر من اللازم ولكنه مجرد مدخلاً هاماً قررت البداية به.

أحب قراءة التعليقات على كل ما يخص المرأة وقضاياها، أحب أيضاً أن استمع لأحاديثهم وتعليقاتهم على ذلك الموضوع خصيصاً للدرجة التي قد تدفعني إلى ترك كل ما بيدي لاركز معهم.

عادة غريبة ولكنها مسلية ومفيدة آحياناً، كنت في البداية افعل هذا بغرض التسلية ولكن شيئاً فشئ اصبحت بالنسبة لي بمثابة نافذة اطل منها على ما يدور في أذهان الجميع وبوابة اعبر من خلالها إلى عقولهم خصوصاً مع التنوع الكبير في شخصياتهم واختلاف توجهاتهم وتنوع اعمارهم وهو ما يمنحني الفرصة للتعرف على وجهات نظر وأراء مختلفة.

في البداية كنت اقرأ جميع التعليقات بغض النظر عن إن كانت ايجابية أو سلبية أو عن نوع كاتبها وطريقة تفكيره ولكن مع الوقت عرفت وجهتي صرت اتجنب تعليقات الغالبية العظمى من الرجال “لاسباب لا داعي لذكرها هنا” واركز على التعليقات الأنثوية.

ربما لانها ما تعنيني في المقام الأول ومع دراستها وجدتها منقسمة إلى جزئيين؛ الأول، اعتبره نتاج التطور الكبير الذي حدث مؤخراً في عقول الكثيرات واثر على طريقة تفكيرهن ومعالجتهن للأمور.

وهؤلاء هن اللاتي لا يلبثن ان يجدن فتاه ناجحة إلا ويغمرنها بكافة مشاعر الحب والتشجيع ويدفعنها بقوة إلى الامام فهن يعلمن أن نجاحها من نجاحهن وإن كل خطوة تخطيها إلى الامام تنعكس عليهن بالايجاب ويدفعن ثمنها نجاحاً وتفوقاً.

أما الجزء الثاني “وهن محور حديثي اليوم” فهن المعارضات لكل ما يمنح المرأة حقوقها ويقربها من تحقيق احلامها لتجدهم بالمرصاد لكل من تحاول الخروج عن عاداتهم وتقاليدهم البالية ويتفنن في تحطيمها وتشوية كل احلامها الوردية.

بالتأكيد صادفتِ احداهن مرة على الاقل فربما تكون تلك القريبة التي تحاولي دوماً تجنبها إذا حققتِ إنجاز معين لعلمك مسبقاً بطريقة تفكيرها التي قد تجعلك تكرهين نفسك وإنجازك معاً، وهي الفتاة التي استفزك تعليقها عندما هاجمت تلك البطلة الرياضية بسبب ملابسها التي رأت أنها فاضحة ولا تصلح لمجتمعنا وتركت الحديث عن إنجازها.

وهي التي قمتِ بالاشتباك معها يوماً عندما وقفت في صف المتحرش وساقت الكثير من المبررات له في حين القت باللوم على المُتحرش بها وكأنها الجاني وليس المجنى عليه، وهي أيضاً الأم التي تربي ابنتها منذ الصغر على انها مجرد أداة خُلقت من أجل خدمة الذكور.

وعليها السمع والطاعة دوماً دون مناقشة، وهن اللاتي لا مهمة له في الحياة سوى تحطيمك والوقوف ضد كل ما يمنحك حقوقك ويجعل لكِ قيمة في المجتمع.

الحقيقة لم افهم هولاء النسوة يوماً، لم استوعب كيف تقف فتاه عن عمد أو حتى بدون قصد ضد طموحات واحلام فتاة أخرى، وتبذل كل ما بوسعها لتحطيمها وإرجاعها مئة خطوة إلى الوراء. لم افهم ما الاستفادة التى قد تعود عليهن إذا بقي الحال كما هو عليه دون تقدم أو تطور وكيف من الاساس يعارضن شيئاً قد يعود بالنفع عليهن جميعاً.

بل ربما يكون بمثابة طوق النجاه الذي يخلصهن من الحياة البائسة التي يعشن بها، ويفتح لهن أبواباً يحسبنها مغلقة. فإن لم تدعم المرأة نفسها، فأي دعم تنتظرة من المجتمع؟

كنت في البداية أظن أن من تفعل ذلك تفعله إعمالا بمبدأ الغيرة فربما لانها فشلت في تحقيق أي انجاز في حياتها وبقيت اسيرة للعادات والتقاليد البالية، وتتمنى أن ترى الجميع مكانها مجرد “نسخ” واهية لا قيمة ولا أهمية لهن في الحياة، لذا فهي تحاول تحطيمهن أملاً في إرضاء غرورها و”تصبير” نفسها. 

ولكن حتى بوجود تلك الفئة فالامر اكبر بكثير من أن يتم تحليله بتلك النظرة الطفولية الهامشية، فهناك العديد من المحاور الهامة التي يجب أن نضعها في الاعتبار لنحلل الأمر بشكل صحيح.

على رأس هذه المحاور، وأهمها بالطبع هي العادات والتقاليد الشرقية التي توارثتها الاجيال تباعاً والتي زرعت في عقول الكثيرات مبدأ احتقار أنفسهن وبأنهن مجرد “فرز ثاني” لا قيمة ولا اهمية لهن، وهؤلاء من رضين بكونهن “فرز ثاني” يعملن علي معاداه واحتقار كل من تعارضهن وتتبنى وجهة نظر مخالفة، غير مدركات انهن بطريقة تفكيرهن هذا يتسببن في ضياع حقوق الكثيرات.

هؤلاء النساء من وجهة نظرى مجرد ضحاياً لتلك الموروثات الثقافية الباليةوالتابوهات الخاطئة التي زرعها فيهن من سبقوهن من السيدات اللواتي عشن على نهج اجدادهن، وبالتبعية تم حرمانهن من كافة حقوقهن ليقمن بعدها بممارسة الامر ذاته من مع بناتهن دون تغيير.

هؤلاء السيدات يعانين من حالة تشتت واضح نتيجة لكل ما مورس عليهن من ضغط واضطهاد جعلهن هذا اشبة بحالة الطفل وقت ولادته الذي لا يعلم “هل يسمع كلام أمه أم يسمع كلام أبوة يستجيب لأوامر سته أم أمه أم يطيع سته أم ابوه؟”.

فتخيلي أن تقضي عمرك بأكمله تُسمم أذناك بتابوهات وموروثات بالية من هولاء اللاتي لم يذقن طعم المساواة والحرية يوماً مفاداها أن الطبيعي ان تكون المرآة مجرد كائن مهمش.

يحتل مرتبة متدنية لا قيمة لها سوى تقضية واجبات هامشية في حياة الأسرة، بالتأكيد ستجدي نفسك تسيرين على نفس الدرب دون مناقشة أو تفكير في التغيير، بل وتنتقدي كل من يخالف هذا ويحاول إثبات العكس.

الأمر هذا اصاب العديد من النساء بفيروس التشتت وأدخلهن فى صراعات جانبية، فهن بين كفتين لا يعلمنّ إلى أي منهما يميلان.

هل المرأة كائن ضعيف مهمش فرز ثاني في المجتمع، أم كائن مستقل مسؤول له قيمة واهمية؟ هل متاح لها العمل وشغل اهم الوظائف واثبات ذاتها، أم خلقتُ فقط لخدمة الذكور والقيام بالواجبات المنزلية وتربية الاولاد؟ هل متاح لها السفر واكتشاف العالم.

أم أن من تفعل ذلك مجرد منحلة ستجلب لنفسها ولعائلتها الفضائح؟ هل قيادة المرأة لسيارتها امر صحيح و”حلال” أم إنه مدخل للفتن كما روج البعض من قبل؟ هل تجرب حظها مرة أخرى في الزواج، أم تكرس حياتها لاولادها حتى تتجنب نظرات من حولها واحاديثهم الفارغة؟

هل تتزوج من تحب وتصر عليه، أم ترضخ لاوامر والدها وتوافق على من يختاره لها زوجاً “لانه يعرف مصلحتها اكثر منها”؟ هل تتحمل زوجها من أجل “العيال” وتجنب كلام الناس، أم تضرب باحاديثهم عرض الحائط وترحل لتبدأ من جديد؟مئة هل وهل تعبث في عقولهم وتشتت أذهانهن لتكون النتيجة ما نراه امامنا كل يوم.

الحقيقة رغم امتعاضي وغضبي منهن، الا انني بدأت مؤخراً اعذرهن بسبب حالة عدم الاتزان اللاتي يمررن بها والتي لا اغفل انني مررت بها يوماً انا والكثيرات مثلي.

ولكن الفارق اننا ربما وجدنا من ياخذ بيدنا مبكراً ويرشدنا إلى الطريق الصحيح ويفتح عيوننا على حقوقنا التي حاول الكثيرات إغلاقها عنها، اما هن فبقين في مرحلة الاضطراب والتشتت تلك كثيراً  لا يعلمن طريق الخروج منها، هذا بالـتأكيد يفسر سر عدائهن لنا وانتقادهن وسيرهن ضدنا في كثير من الاحيان.

فهن لم يفعلن هذا عن عمد أو بغرض تحطيمنا أو غيره، انما هن يفعلن ما تربين عليه وما يتناسب مع عقليتهن وما تم زرعه من عفن وموروثات بالية في اذهانهن، صورت لهن ان الاستسلام والضعف هو الوضع الطبيعي، اما المساواة والحرية وغيرها مجرد قيم دخيلة علينا وعلى معتقداتنا يجب نبذها ومخالفة كل من تعتنقها.

اخيراً  كلمة اهمس بها في اذن هولاء اننا لم نكن يوماً اعدائكن، ولم نرد افساد المجتمع ولا نشر الفتن كما تم اقناعكن ولكن كل ما نريده هو حقوقنا وتحقيق احلامنا التي نبذل كل ما بوسعنا لنقترب منها خطوة، فلا ترجعونا بارائكم تلك مئة خطوة إلى الوراء وتضيعن كل مجهودنا هباءً.

فبدلاً من أن تقضين أوقاتكن في انتقاد ومهاجمة احداهن أو تحطيم أخرى تعلمن دعم المراة ومساندتها في كل الظروف، وتذكرن أن كل تقدم نحققه ينعكس عليكن ايجابا ويسهل مسألة التحرر من قيود المجتمع وتقاليده البالية التي عفا عليها الدهر وولى.

وتذكرن  أن كل واحدة منا خُلقت ليكون لها بصمتها الخاصة في المجتمع واخيراً “اسمعي كلام عقلك ما تسمعيش كلام تابوهاتهم وادعاءاتهم”.

المصدر: Women of Egypt

Post a Comment

1 Comments